الناس اتجننت
أعذروني: هناك الكثير من الاحداث التي تحتم الكتابة والتأمل. من حصار نهر البارد الى حصار العرب في كل مكان. ولكن يجب أن أنتهي من كتابة شئ مهم هذا الأسبوع، ولا يوجد لدي وقت - الآن - للتأمل. لم أستطع أن أتمالك نفسي وأقاوم إغراء النشر. أتمنى لو أستطيع أن أصرخ عبر البلوغوسفير!! إلحقوووني!! أيعقل هذا؟ أصحيح هذا؟
من البداية: توقفت عن متابعة أخبار البلد منذ فترة. أقاطع المصري اليوم والاهرام واخواتها. كل الاخبار تثير استيائي أو تصيبني بالاعياء او باليأس او بالاثنين معاً. لذلك "لا أتابع". كفانا أخبار عن الاعتقالات وحفلات الزفاف والمؤتمرات الشرم شيخية وإلخ إلخ. الصورة العامة لا تتغير مع تكاثر التفاصيل. لن تخبرني الأخبار والجرائد بشئ لا أعرفه أصلا عن البلد. هكذا كنت أقول لزملائي، المصريين في الخارج، عندما يسألونني: سمعت الاخبار؟ هذا حتى اتصلت صديقتي تسألني إن كنت سمعت عن فتوى ارضاع الكبير. تصورت أن الفتوي تتعلق بالموضوع الاثير لصفحات الفتاوي في المجلات: هل يمكن أن أتزوج بابنة خالتي مع العلم أننا رضعنا معاً في طفولتنا؟ هذه العادة التقليدية السخيفة التي ما زالت منتشرة - عادة بدون أي داعي اجتماعي - في الريف والمدن. كنت اعتقد أن الامر يتعلق بالمرضعات وعلاقات النساء والاطفال في العائلة والعمارة والحي وما الى ذلك. النسوة تساعد بعضهن البعض، فلانة لبنها قليل، فلانة لبنها غزير، عايزة ولادك يبقوا زي ولادي وإلخ إلخ. ولكن، لا، لا، قالت صديقتي: لا، لا، ليسوا أطفالاً، ليسوا شباباً، بل رجالا!! هذا زنا إذا قلت لها. لا، لا، هناك فتوى أثارت الرأي العام.
لم أصدقها. أعترف أنني إعتقدت أنها أساءت الفهم أو لم تقرأ الخبر حتى النهاية. ولكن للأسف، هي على حق.
هذا هو الموضوع الذي يشغل بال شعبي الآن، ونواب الشعب يتناقشونه تحت قبة البرلمان، والعلماء الأفاضل يتصادرون الفتاوي بسببه.
من هؤلاء الناس؟ فعلا، من هم؟ من أين أتوا ومتى أتوا ومتى يرحلون عن بلدي؟ يتركون الظلم، والقهر، والجوع، والفقر، والمرض، والجهل، والتعذيب، والفساد، والرشاوي، ويتناقشون في الخلوة الشرعية داخل محل العمل. وبما أنه لا يمكن أن يتزوج كل الرجال بكل النساء اللاتي يعملن معهن، وبما أنه لم يعد من الممكن تصور الحياة العامة بدون النساء، تفتق ذهن أحدهم عن الحل الحيلة المعجزة: فلترضع المرأة زميلها في العمل حتى يصبح إبنها في الرضاعة وتستطيع أن تعمل معه في خلوة. لا أصدق. أرفض أن أصدق أن يكون هنالك أي إنسان عاقل، ناهيك عن أستاذ في علم الحديث، يفكر هكذا... أرفض.
لم أصدق حتى قرأت تلك المواضيع:
أهكذا نوآئم بين التقاليد والحداثة؟ أهكذا نتعامل مع تراثنا الديني؟ أهذا يعقل؟ أين العقل، فليقل لي أحدكم، أين العقل؟ أين المنطق؟ هل جن كل الناس؟ هل جنوا جميعاً؟ عادة ينكر الناس في بلدي على الاجانب رؤيتهم لنا كعرب ومسلمين أننا مهوسون بالجنس. لسنا كذلك، نصر ونعترض، ولكنني أجدني عاجزة عن تفسير هذه الظاهرة الغريبة. نحرم الصداقة بين النساء والرجال، نحرم جميع أنواع العلاقات، ننظر للشباب على كورنيش أبو الفدا بمنتهى الاستياء (وعادة لا يفوت المستاء أن يلاحظ أن معظم بنات الكورنيش محجبات، تك،تك، تك)، نفعل كل ذلك ثم نبحث عن حيلة شرعية لاباحة العلاقات الجنسية في العمل. لماذا؟ اعني: لماذا نبحث عن حيلة شرعية اذا؟ لماذا الالتفاف حول التقاليد بهذا الشكل؟ ولماذا لا نسمي الأشياء بأسمائها؟ قال ارضاع الكبير قال: ارضاع ايه بقي! ثم ماذا عن غير المرضعات؟ هه؟ ماذا تفعل النسوة اللاتي لسنا مرضعات في هذه اللحظة؟
الشئ الآخر الذي يخيفني هو ما الذي دعى هذا المعتوه أستاذ الحديث الى اصدار الفتوى؟ أعني ان الفتوى -على الاقل في التراث التقليدي - تأتي للرد على مسألة يسألها أحد المسلمين الى أحد العلماء. هل يعني اصدار مثل هذه الفتوى أن موضوع ارضاع الكبير ممارس في الواقع أصلا؟ هل هو مثل الزواج العرفي مثلا؟ يفعله الناس في الواقع ويتناقش حوله العلماء؟
زمان، كانت هناك مسرحية إسمها "الناس اتجننت" وكنت أري إعلاناتها في الشوارع وأردد الجملة طوال الوقت أثناء طفولتي. لا أجد عبارة مناسبة أكثر منها الآن: الناس فعلا اتجننت.
This raises another interesting question on marital relationships: are coworkers to be allowed what husbands wouldn't? Because if husbands act as coworkers they would become as sons to the women? So in fact a working woman (not a housewife) can have certain sexual relations with her colleague but not with her husband.. hmm...
Enough already ;)
Labels: public debates